كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {إِذا فريق منكم} قال ابن عباس: يريد أهل النفاق.
قال ابن السائب: يعني الكفار.
قوله تعالى: {ليكفروا بما آتيناهم} قال الزجاج: المعنى: ليكفروا بأنّا أنعمنا عليهم، فجعلوا نِعَمَنا سببًا إِلى الكفر، وهو كقوله تعالى: {ربنا إِنك آتيت فرعون} إِلى قوله: {ليضلوا عن سبيلك} [يونس 88]، ويجوز أن يكون {ليكفروا}، أي: ليجحدوا نعمة الله في ذلك.
قوله تعالى: {فتمتعوا} تهدّد، {فسوف تعلمون} عاقبة أمركم.
قوله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون} يعني: الأوثان.
وفي الذين لا يعلمون قولان:
أحدهما: أنهم الجاعلون، وهم المشركون، والمعنى: لما لا يعلمون لها ضرًا ولا نفعًا؛ فمفعول العلم محذوف، وتقديره: ما قلنا، هذا قول مجاهد، وقتادة.
والثاني: أنها الأصنام التي لا تعلم شيئًا، وليس لها حس ولا معرفة، وإِنما قال: يعلمون، لأنهم لمَّا نحلوها الفهم، أجراها مجرى مَنْ يعقل على زعمهم، قاله جماعة من أهل المعاني.
قال المفسرون: وهؤلاء مشركو العرب جعلوا لأوثانهم جزءًا من أموالهم، كالبَحِيرَةِ والسائِبَةِ وغير ذلك مما شرحناه في [الأنعام: 139].
قوله تعالى: {تالله لتُسأَلُنّ} رجع عن الإِخبار عنهم إِلى الخطاب لهم، وهذا سؤال توبيخ.
قوله تعالى: {ويجعلون لله البنات} قال المفسرون: يعني: خزاعة وكنانة، زعموا أن الملائكة بنات الله {سبحانه} أي: تنزه عما زعموا.
{ولهم ما يشتهون} يعني: البنين.
قال أبوسليمان: المعنى: ويتمنَّون لأنفسهم الذكور.
قوله تعالى: {وإِذا بُشِّر أحدهم بالأُنثى} أي: أُخبر بأنه قد وُلد له بنت {ظل وجهه مُسودًّا} قال الزجاج: أي: متغيِّرًا تغيُّر مغتمٍّ، يقال لكل من لقي مكروهًا: قد اسود وجهه غَمًّا وحَزَنًا.
قوله تعالى: {وهو كظيم} أي: يكظم شدة وَجْدِهِ، فلا يظهره، وقد شرحناه في سورة [يوسف: 84].
قوله تعالى: {يتوارى من القوم} قال المفسرون: وهذا صنيع مشركي العرب، كان أحدُهم إِذا ضرب امرأتَه المخاضُ، توارى إِلى أن يعلم ما يولد له، فإن كان ذكرًا، سُرَّ به، وإِن كانت أنثى، لم يظهر أيامًا يُدَبِّر كيف يصنع في أمرها، وهو قوله تعالى: {أيُمسِكُهُ على هُونٍ} فالهاء ترجع إِلى ما في قوله: {ما بُشِّر به}، والهُون في كلام العرب: الهوان.
وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة، والجحدري: {على هوان} والدس: إِخفاء الشيء، في الشيء، وكانوا يدفنون البنت وهي حية {ألا ساء ما يحكمون} إِذْ جعلوا لله البنات اللاتي محلُّهن منهم هذا، ونسبوه إِلى الولد، وجعلوا لأنفسهم البنين.
قوله تعالى: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مَثَلُ السَّوْء} أي: صفة السَّوْء من احتياجهم إِلى الولد، وكراهتهم للإناث، خوف الفقر والعار {ولله المثل الأعلى} أي: الصفة العليا من تنزُّهه وبراءته عن الولد.
قوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناسَ بظلمهم} أي: بشركهم ومعاصيهم، كلما وُجد شيء منهم أُوخذوا به {ما ترك على ظهرها} يعني: الأرض، وهذه كناية عن غير مذكور، غير أنه مفهوم، لأن الدوابّ إِنما هي على الأرض.
وفي قوله: {من دابة} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه عنى جميع ما يدبُّ على وجه الأرض، قاله ابن مسعود.
قال قتادة: وقد فعل ذلك في زمن نوح عليه السلام، وقال السدي: المعنى: لأقحط المطر فلم تبق دابة إِلا هلكت، وإِلى نحوه ذهب مقاتل.
والثاني: أنه أراد من الناس خاصة، قاله ابن جريج.
والثالث: من الإِنس والجن، قاله ابن السائب، وهو اختيار الزجاج.
قوله تعالى: {ولكن يؤخرهم إِلى أجل مسمى} وهو منتهى آجالهم، وباقي الآية قد تقدم [الأعراف: 34].
قوله تعالى: {ويجعلون لله ما يكرهون} المعنى: ويحكمون له بما يكرهونه لأنفسهم، وهو البنات، {وتصف ألسنتُهم الكذبَ} أي: تقول الكذب، وقرأ أبو العالية، والنخعي، وابن أبي عبلة: {الكُذُب} بضم الكاف والذال.
ثم فسر ذلِك الكذب بقوله: {أن لهم الحسنى} وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها البنون، قاله مجاهد، وقتادة، ومقاتل.
والثاني: أنها الجزاء الحسن من الله تعالى، قاله الزجاج.
والثالث: أنها الجنة، وذلك أنه لما وعد الله المؤمنين الجنة، قال المشركون: إِن كان ما تقولونه حقًا، لندخلَنَّها قبلكم، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {لا جرم} قد شرحناها فيما مضى [هود: 22].
وقال الزجاج: {لا} ردٌ لقولهم، والمعنى: ليس ذلك كما وصفوا {جرم} أنَّ لهم النار، المعنى: جرم فعلهم، أي: كسب فعلهم هذا {أنَّ لهم النار وأنهم مفرَطون} وفيه أربعة أوجه، قرأ الأكثرون: {مُفْرَطون} بسكون الفاء وتخفيف الراء وفتحها، وفي معناها قولان:
أحدهما: مُتْرَكون، قاله ابن عباس.
وقال الفراء: منسيُّون في النار.
والثاني: مُعْجَّلون، قاله ابن عباس أيضًا.
وقال ابن قتيبة: مُعْجَّلون إِلى النار.
قال الزجاج: معنى الفرط في اللغة: المتقدم، فمعنى {مفرطون} مقدَّمون إِلى النار، ومَنْ فسرها {مُتْرَكون} فهو كذلك أيضًا، أي: قد جُعلوا مقدَّمين إِلى العذاب أبدًا، متروكين فيه.
وقرأ نافع، ومحبوب عن أبي عمرو، وقتيبة عن الكسائي: {مُفْرِطون} بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها، قال الزجاج: ومعناها: أنهم أفرطوا في معصية الله.
وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة {مُفَرَّطُون} بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها، قال الزجاج.
ومعناها: أنهم فرَّطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة، وتصديق هذه القراءة: {يا حسرتي على ما فرَّطتُ في جنب الله} [الزمر: 56].
وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر: {مُفَرَّطُون} بفتح الفاء والراء وتشديدها، قال الزجاج: وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى، فالمفرَّط والمفرَط بمعنى واحد.
قوله تعالى: {تالله لقد أرسلنا إِلى أمم من قبلك} قال المفسرون: هذه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم {فزين لهم الشيطان أعمالهم} إلخ.بيثة حتى عصَوا وكذَّبوا، {فهو وليُّهم اليوم} فيه قولان:
أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله ابن السائب، ومقاتل، كأنهما أرادا: فهو وليهم يوم تكون لهم النار.
والثاني: أنه الدنيا، فالمعنى: فهو مواليهم في الدنيا {ولهم عذاب أليم} في الآخرة، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {إِلاَّ لِتُبيِّنَ لهم} يعني: الكفار {الذي اختلفوا فيه} أي: ما خالفوا فيه المؤمنين من التوحيد والبعث والجزاء، فالمعنى: أنزلناه بيانًا لما وقع فيه الاختلاف.
قوله تعالى: {والله أنزل من السماء ماء} يعني: المطر {فأحيا به الأرض بعد موتها} أي: بعد يُبْسها {إِن في ذلك لآية لقوم يسمعون} أي: يعتبرون.
قوله تعالى: {وإِنَّ لكم في الأنعام لعبرةً نُسقيكم} قرأ أبو عمرو، وابن كثير، وحمزة، والكسائي: {نُسقيكم} بضم النون، ومثله في [المؤمنين: 21].
وقرأ نافع، وابن عامر، وأبوبكر عن عاصم: {نَسقيكم} بفتح النون فيهما.
وقرأ أبو جعفر: {تَسْقِيكم} بتاء مفتوحة، وكذلك في [المؤمنين: 21]، وقد سبق بيان الأنعام.
وذكرنا معنى العبرة في [آل عمران: 13]، والفرق بين سقى وأسقى في [الحجر: 22].
فأما قوله: {مما في بطونه} فقال الفراء: النَّعَم والأنعام شيء واحد، وهما جمعان، فرجع التذكير إِلى معنى النَّعَم إِذ كان يؤدي عن الأنعام، أنشدني بعضهم.
وَطَابَ ألْبَانُ اللِّقَاحِ وَبَرَدْ

فرجع إِلى اللبن، لأن اللبن والألبان في معنى؛ قال: وقال الكسائي: أراد: نسقيكم مما في البطون ما ذكرنا، وهو صواب، أنشدني بعضهم:
مِثْلَ الفِراخِ نُتِفَتْ حَوَاصِلُه

وقال المبرِّد: هذا فاشٍ في القرآن، كقوله للشمس: {هذا ربي} [الأنعام: 78]. يعني: هذا الشيء الطالع؛ وكذلك {وإِني مرسلة إِليهم بهديَّة} ثم قال: {فلما جاء سليمانَ} [النمل: 35، 36]، ولم يقل: جاءت لأن المعنى: جاء الشيء الذي ذكرنا، وقال أبو عبيدة: الهاء في {بطونه} للبعض، والمعنى: نُسقيكم مما في بطون البعض الذي له لبن، لأنه ليس لكل الأنعام لبن، وقال ابن قتيبة: ذهب بقوله: {مما في بطونه} إِلى النَّعَم، والنَّعَم تذكَّر وتؤنَّث، والفَرْث: ما في الكرش، والمعنى: أن اللبن كان طعامًا، فخلص من ذلك الطعام دم، وبقي منه فرث في الكرش، وخلص من ذلك الدم {لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين} أي: سهلًا في الشرب لا يشجى به شاربه، ولا يَغصّ.
وقال بعضهم: سائغًا، أي: لا تعافه النفس وإِن كان قد خرج من بين فرث ودم.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: إِذا استقر العَلَف في الكَرش، طحنه، فصار أسفله فرثًا، وأعلاه دمًا، وأوسطه لَبَنًَا، والكبد مسلَّطة على هذه الأصناف الثلاثة، فيجري الدم في العروق، واللبن في الضَّرع، ويبقى الفرث في الكرش.
قوله تعالى: {ومِن ثمرات النخيل والأعناب} تقدير الكلام: ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سَكَرا.
والعرب تضمر {ما} كقوله: {وإِذا رأيت ثَمَّ} [الإنسان: 20]. أي: ما ثَمَّ.
والكناية في {منه} عائدة على ما المضمرة.
وقال الأخفش: إِنما لم يقل: منهما، لأنه أضمر الشيء، كأنه قال: ومنها شيء تتخذون منه سَكَرًا.
وفي المراد بالسَّكر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الخمر، قاله ابن مسعود، وابن عمر، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وإبراهيم ابن أبي ليلى، والزجاج، وابن قتيبة، وروى عمرو بن سفيان عن ابن عباس قال: السَّكَرُ: ما حرِّم من ثمرتها، وقال هؤلاء المفسرون: وهذه الآية نزلت إِذْ كانت الخمرة مباحة، ثم نسخ ذلك بقوله: {فاجتنبوه} [المائدة: 90]، وممن ذكر أنها منسوخة، سعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي، والنخعي.
والثاني: أن السَّكَر: الخَلّ، بلغة الحبشة، رواه العَوفي عن ابن عباس.
وقال الضحاك: هو الخل، بلغة اليمن.
والثالث: أن السَّكَر الطُّعْم، يقال: هذا له سَكَر، أي: طُعْم، وأنشدوا:
جَعَلْتَ عَيْبَ الأَكْرَمِيْن سَكَرا

قاله أبو عبيدة: فعلى هذين القولين الآية محكمة.
فأما الرزق الحسن، فهو ما أُحِلَّ منهما، كالتمر، والعنب، والزبيب، والخل، ونحو ذلك.
قوله تعالى: {وأوحى ربك إِلى النحل} في هذا الوحي قولان:
أحدهما: أنه إِلهام، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والضحاك، ومقاتل.
والثاني: أنه أمر، رواه العوفي عن ابن عباس.
وروى ابن مجاهد عن أبيه قال: أَرسل إِليها.
والنحل: زنابير العسل، واحدتها نحلة.
و{يَعرِشون} يجعلونه عريشًا.
وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {يَعْرُشُون} بضم الراء، وهما لغتان، يقال: يعرِش و{يعرُش} مثل {يعكِف} {ويعكُف}.
ثم فيه قولان:
أحدهما: ما يعرشون من الكروم، قاله ابن زيد.
والثاني: أنها سقوف البيوت، قاله الفراء.
وقال ابن قتيبة: كل شيء عُرِش، من كرم، أو نبات، أو سقف، فهو عَرْش، ومعروش.
وقيل: المراد ب {مما يعرشون} مما يبنون لهم من الأماكن التي تلقي فيها العسل، ولولا التسخير، ما كانت تأوي إِليها.
قوله تعالى: {ثم كلي من كل الثمرات} قال ابن قتيبة: أي: من الثمرات، و{كلُّ} هاهنا ليست على العموم، ومثله قوله: {تدمِّر كل شيء} [الأحقاف: 25].
قال الزجاج: فهي تأكل الحامض، والمرَّ، ومالا يوصَف طعمه، فيُحيل الله عز وجل من ذلك عسلًا.
قوله تعالى: {فاسلُكي سُبُل رَبِّكِ} السُّبُل: الطُّرُق، وهي التي يطلب فيها الرعي.
والذُّلُل جمع ذَلول.
وفي الموصوف بها قولان:
أحدهما: أنها السُّبُل، فالمعنى: اسلكي السُّبُل مُذَلَّلَةً لكِ، فلا يتوعَّر عليها مكان سلكته، وهذا قول مجاهد، واختيار الزجاج.
والثاني: أنها النحل، فالمعنى: إِنك مُذَلَّلَةً بالتسخير لبني آدم، وهذا وقول قتادة، واختيار ابن قتيبة.
قوله تعالى: {يخرج من بطونها شراب} يعني: العسل {مختلف ألوانه} قال ابن عباس: منه أحمر، وأبيض، وأصفر.
قال الزجاج: {يخرج} من بطونها، إِلاَّ أنها تلقيه من أفواهها، وإِنما قال.
من بطونها، لأن استحالة الأطعمة لا تكون إِلاَّ في البطن، فيخرج كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم.
قوله تعالى: {فيه شفاء للناس} في هاء الكناية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إِلى العسل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود.
واختلفوا، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره، أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه عامّ في كل مرض.
قال ابن مسعود: العسل شفاء من كل داء.
وقال قتادة: فيه شفاء للناس من الأدواء.
وقد روى أبو سعيد الخدري قال: جاء رجل إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إِن أخي استطلق بطنُه، فقال: «اسقه عسلًا» فسقاه، ثم أتى فقال: قد سقيتُه فلم يزده إِلاَّ استطلاقًا، قال: «اسقه، عسلًا»، فذكر الحديث، إِلى أن قال: فَشُفِيَ، إِما في الثالثة، وإِما في الرابعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق الله، وكذب بطن أخيك».
أخرجه البخاري، ومسلم.